" ستشاهد الآن مشهد مُعاد من أفلامكم التافهة .. مشهد إيضاح كل ما سبق "
قالتها (مانلديم) في سخرية وهي تتمدد على فراش (صفا) بكل
هدوء وبرود واستطردت قائلة :
- " إن الأمر لا يتعلق بك لو كنت تظن ذلك .. أنت
مجرد حلقة أخيرة في سلسلة طويلة من الحلقات التي بدأت منذ بدأ الخليقة ..
أنا لست (أبليسكم) لو كنت تظن ذلك ، ولست كائناً من الفضاء
الخارجي أيضاً ..
لست كائناً خالداً عاصر كل الأزمان .. لست واحداً ممن ذخرت به أساطيركم البلهاء ..
أنا آخر سلالة فصيلتي .. أنا من قُدر لها أن تحقق ما خُلقت سلالتي من أجله .
لست كائناً خالداً عاصر كل الأزمان .. لست واحداً ممن ذخرت به أساطيركم البلهاء ..
أنا آخر سلالة فصيلتي .. أنا من قُدر لها أن تحقق ما خُلقت سلالتي من أجله .
في كل عصر كان هناك فرداً من سلالتي يحاول أن يحقق ما
حاولتُ تحقيقه ..
عقد صفقات فريدة من نوعها مع من فقدوا إيمانهم بكل شيء
.. إيمانهم بنفسهم .. مستقبلهم ..
بخالقهم ..
كان كل وسيط حينها لا يعلم السبب الحقيقي لأنه ببساطة
كان يظن أنه المُقدر له تحقيق هدفنا .
عهدتك مُثقفاً أو هكذا تبدو .. من المؤكد أنك تعرف
الأسطورة الألمانية عن (فاوست) الذي قرر أن يبيع روحه للشيطان ، هذه الأسطورة
وغيرها من الأساطير عن من عقدوا اتفاقا مع الشيطان لبيع أرواحهم ما هي نتيجة إلا
لمحاولات فاشلة حاولها أسلافي لتحقيق ما نجحت في تحقيقه معك ..
لم تستوعب العقول غير أننا شياطين .. لم يدركوا أننا ما
لم يتخيلوه أبداً ..
نحن من لم يذكرهم كتاب مُقدس ولا رسول ..
نحن الخطر الأشد ضراوة من كويكب أو إعصار أو زلزال ضرب
كوكبكم يوماً ما ..
نحن نهايتكم . "
نهضَتَ (ناملديم) وصارت تجوب الغرفة كالممثل الذي يؤدي
دوره على المسرح وقالت :
- " أعلم أنك تريد أن تعلم ما دورك في تلك القصة ..
في الواقع أنك لم تكن أول من حاولت معه ولا أول من حاولَت
سلالتي معه في التاريخ ..
فالتاريخ يمتلئ بالأغبياء الذين يوافقون على أي شيء
مقابل ما يتمنونه ..
ولكنك أنت تختلف عنه .. ليس في أنك الأغبى ولكن في أنني
أنا من جعلتك تصل إلى ما يجعلك توافق .
في البداية أحكمت قبضتي على كل ما يُحيط بك من أمور
تدفعك دفعاً إلى الانتحار ..
نظرت إلى داخلك وجدت أول ما جعلني أتبناك إن صح التعبير
..
فقدانك بالإيمان بكل شيء ..
تلك كانت البداية وما أتى بعدها كان من صنعي .
كانت صلتي بك هي الأحلام التي كنت تستيقظ بعدها فاقداً
للرغبة في الحياة ورافضاً في الموت أيضاً ..
خلقت داخلك ذلك الشعور الذي لم تجد له حل سوى أن تبحث عن
مخرج له في الكتب والماورائيات ..
انتظرتك في ذلك الموقع الإلكتروني وأنا أعلم أنك قادم لا
محالة ..
سيطرتي على العقل البشري هي ما أفتقده أسلافي وهو ما
جعلني أتأكد أنني أنا المؤهلة لتحقيق هدفهم ، وهو أمر لم أكن أتوقع أنني أملكه إلا
عندما وجدتك ..
ويبقى السؤال هنا ..
هل أنا المختار الذي تحدث عنه أسلافي أم أن وجودك هو من
جعلني أنا المختار ؟ "
ضحَكَت ضحكة ذكرتني بتلك الضحكات الشيطانية ثم قالت :
- " دعنا من تلك الفلسفة الفارغة .. فالمهم أنني
حققت ما أصبو إليه .. وأدخلتك (برزخ التأهيل) ثم أخرجتك منه باختيارك وبذلك كسرتُ
الحاجز الفاصل بينه وبين عالمك .. أصبحت أنت أول من غادره .. ولكنك لن تكون الأخير
..
أنت كنت بمثابة قربان بشري بمفهوم الثقافات القديمة ..
أضحية تفتح الطريق لا لرضاء الآلهة ولكن لتنفيذ مخططنا "
حتى تلك اللحظة كانت الصدمة تشل عقلي قبل لساني ويبدو
أنها كانت تعلم ما أريد قوله ..
- " تفاصيل أكثر ؟ تريد تفاصيل أكثر يا (شريف) ؟
عن ماذا ؟ .. عن لما قمت بإرسال حبيبتك أمام نظرك إلى
(برزخ التأهيل) ولم أخفيها قبل ذلك ؟
السبب هو هذا .. "
وفي تلك اللحظة ظهرت (صفا) بجوارها ..
كانت كآخر مرة رأيتها ولكن اللون الأبيض في عينها كان قد
تحول إلى لون الدماء ..
ملامح وجهها تحولت إلى ملامح أشرس حيوان رأيته في حياتك
..
- " كنت أريدك أن ترى حبيبتك قبل أن تتحول إلى هذا
الشيء .. فأنا أعلم ما تُمثله لك ..
هل رأيت ما فعله تسرّعك يا (شريف) ؟ .. لا .. لا أقصد
أنني حزينة لما فعلته بالطبع ، ولكني أشكرك على أنك حققت لي ما أبتغيه ..
جيش كامل مُكوّن من الملايين ممن أدخلتهم أنا وأسلافي عبر
العصور إلى برزخ التأهيل لا يراه أحد ولا يُصيبه أي شيء وتحت سيطرتي ويُقاتل
قتالاً أشرس من أي مخلوق على وجه الأرض ..
وبينما نتحدث الآن يجتاح جنودي كل بقعة في الأرض ..
يمزقون كل من يقابلهم "
صمتت للحظات ثم توجهت إلى النافذة لتفتحها ووصل إلى
مسامعي أصوات الصرخات ..
صرخات أطفال ..
نساء ..
رجال ..
إن لم يكن ما يحدث هو نهاية العالم فما شكل النهاية إن
لم تكن بهذا الشكل ..
نظرت لي وهي تبتسم :
" جنودي يقومون بدورهم كما تمنيت وأكثر .. "
قلت لها وأنا أقاوم هذا الشلل الذي أصابتني به :
- " أقسم أنني سأمزقك "
- " هههههههههههههههههههههههههههههههههههه .. أقصى
ما يمكنك فعله هو أن تدعو إلهك أن يُنجي كوكبك مما سيحدث .. وجب عليك الآن أن
تستعيد إيمانك به "
اتجهت نحوي وأنحت على ركبتيها ..
- " لنكن صرحاء .. أنت لا تستطيع إيذائي ولا منع ما
يحدث ، وأنا أقدر على سحقك ولكني لا أستطيع ذلك .. فبقاءك مهم تلك الفترة من بداية
عهدي .. والسبب من تقيدي لحريتك هو خوفي من أن تحاول أن تحاول مهاجمتي فأنهي حياتك
كرد فعل غير مقصود مني ..
نعم .. قيدت حركتك خوفاً على سلامتك لا على سلامتي
"
نهضَت من جلستها وقالت :
- " سأحررك الآن .. وأنصحك بأن تتأقلم على الوضع ..
إلى اللقاء أيها القربان البشري "
سطع الضوء الأبيض فجأة مرة أخرى ، ولكن هذه المرة صاحبه
غيابي عن الوعي ..
*********************************************
أيقظتني تلك الرائحة المميزة للدخان ..
تمنيتُ بالتأكيد كباقي أبطال القصص المُشابهة أن يكون
الأمر مجرد حلم ولكن عندما فتحت عيني ووجدت أنني مازلت في غرفة (صفا) تأكدت حينها أن
الأمر أبعد ما يكون عن الأحلام .. وأبعد ما يكون عن الواقع ..
توجهت نحو الشرفة التي تحطم مدخلها زجاجاً وخشباً كأثر لانفجار
يبدو أنه حدث خارج المبني ..
تلك الموجة التي طالما رأيتها تنتج عن الأنفجارات في
أفلام الحركة .
ألقيت نظرة من الشرفة على الشارع ..
ورأيت أسوأ ما تخيلته يوماً عن وصف كلمة دمار ..
المباني تتصاعد منها الأدخنة .. الشوارع مليئة بجثث
بشرية ومن بقى حياً فيطارده أحد جنود (ناميلديم) ليُلحقه بمن سبقه من المتراميين
على أطراف الطرق .
مشهد يبدو وكأنه ضمن فيلم أخرجه أكثر المخرجين دموية .
مشهد يبدو وكأنه ضمن فيلم أخرجه أكثر المخرجين دموية .
ركضتُ إلى الشارع هبوطاً على الدرجات ، وفي كل طابق كنت
أرى أبواب المنازل وقد انخلعت عن أماكنها مما جعلني أتخيل ما سأجده داخل كل منزل .
زادت سرعة ركضي على درجات السلم هرباً من رؤية الموجود
داخل كل منزل إلى أن وصلت للشارع ..
وتمنيت حينها لو أنني لم أغادر بالشرفة ..
كان الوضع عن قرب أبشع مما رأيته بأعلى ..
أسير وكأنني ألقيت فجأة في وسط ساحة سابقة لمعركة من
معارك المغول ، فهم على حد علمي كانوا أشرس من ذكرهم التاريخ ، وإن وجد التاريخ من
يكتبه ممن بقى من الأحياء فأظن أنه سيعيد صياغة هذا الجزء نظراً لما يحدث .
تذكرت في تلك اللحظة أن من يُقتل لا يرى قاتله ..
أغمضت عيني للحظات لأتخيل مشهد ما حدث في هذا الشارع ..
العشرات يركضون وكل شخص يرى غيره وهو يُمزق من دون أن
يمسه شيء .. قبل أن يُمزق هو بدوره دون أن يُدرك أيضاً هوية من مزقه .
كان بعض الجنود يركضون بجواري وكأنهم لا يروني بما يعني
أنهم مُبرمجين على قتل البشر فقط ..
لقد حقق الوسيط ما حلم به الخبراء العسكريين على مر
التاريخ ..
الجيش الخفي ..
جيش يُنفذ مهمته دون أن يراه أحد ، والأهم من ذلك أنه لا
يمكن القضاء عليه .
*********************************************
في ذلك الوقت كانت كل بقاع الأرض تُهاجم ..
كل من اختفى يوماً من مدينته عاد إليها مقاتلاً لأهلها
..
رؤساء الدول في مخابئهم التي خصصت لما هو أقل هولاً من
الوضع الحالي ويلتقطون تابعيات ما يحدث ممن بقى من رجالهم ..
العدو مجهول ..
سبب الاعتداء مجهول
عدد الأحياء مجهول
المصير .. مجهول أيضاً..
لا يعلم ما يحدث سوى اثنان فقط .. أحدهما لا يستطيع فعل
شيء والآخر يجلس الآن في أحد الأماكن يستمتع بروعة ما أنجزه .
العالم ينتهي ..
ليس بسبب ما امتلأت به النظريات والروايات والأفلام من
تخيُّلات .. ولكن بسبب كائن نجهل حقيقته .
*********************************************
تم اتخاذ القرار من رؤساء العالم ..
قصف المناطق التي تتعرض للهجوم ظناً منهم أن هذا هو الحل
لإيقاف ما يحدث ولم يدركوا أنهم بذلك يُساعدون على إبادة من تبقى من البشر في
المناطق التي تمت إبادة معظم سكانها ..
ولم يُدركوا أن شيئاً لن يؤثر فيما يواجهونه .
امتلأت السماء في كافة بقاع الأرض بالطائرات تقصف
الأماكن التي تعرضت أو تتعرض للهجوم ، وتصاعدت ألسنة اللهب ..
ولمدة ساعة ظن الجميع أنه تم السيطرة على الوضع ..
حتى بدأت الموجة الثانية من الهجمات .
تم مهاجمة المعسكرات والمناطق العسكرية ..
الجنود قُتلوا في أماكنهم ..
العالم ينتهي ..
إن لم يكن قد أنتهي بالفعل .
في كل الروايات التي قرأتها والتي تنبأت بسيطرة قوى
معينة على الأرض كان دائماً ما تكون هناك مقاومة ما شُكلت ممن تبقى من البشر ،
ولكني الآن أدركت أن هذا محض هراء وأن تلك المقاومة التي تمتلئ بها الروايات
والأفلام كان الهدف من وجودها هو فقط إطالة الأحداث لا أكثر أو إنتاج أجزاء أخرى
لجني الأموال من القراء والمشاهدين .
لا أظن أن أحد قد تبقى أو سيتبقى من البشر ..
ولا أظن أن الأرض ستنجو ..
ولكن يجب علىّ إنقاذ ما يمكن إنقاذه ..
فلربما قد لا تكون تلك هي النهاية .. ربما تكون هي
البداية .
(يُتبع)
محمد العليمي
علي فكره انت اسطووووووره وبجد سعيد جداااا اني قريت الروايه دي واني أول واحد يكتب تعليق
ردحذفربنا يوفقك و استمر في ابداعك وأكيد في انتظار جديدك ان شاء الله :)
جميله جدا جدا جداااااااااااااااااااااا ياعليمى مستنيه الحلقه السادسه بفارغ الصبر
ردحذفتسلم ايدك يا مبدع