الاثنين، 8 أكتوبر 2012

الحلقة الثانية

عاب علىَّ الكثيرون في أنني لم أستفيض في ذكر تفاصيل حياتي ..
ما الذي يُعنيكم في تفاصيل حياتي ؟
كيف لي أن أقص عليكم تفاصيل أتناساها ؟
يكفي أن أقول لكم أن حياتي لو كانت بتلك الروعة والرفاهية لما أقدمت على ما فعلته ..
فما أسوأ أن تحيا منفياً وسط أهلك وأصدقاءك ولا تعلم سبب هذا النفي ، والأسوأ أن تُصبح منبوذاً ممن ترغب في أن ينتشلوك من هذا المنفى .
دعونا من تلك المقدمات ولنبدأ الرسالة الثانية ..
لمن لا يعرفني أنا (شريف الميرغني) وأحادثكم من تحت رداء الموت الذي أرتديه ..

*********************************************

يبدو أنني قد غفوت وأنا أصارع الأفكار والحلول الخاصة بهذا المأزق الذي أصبحت فيه ..
لا أستطع تقدير مدة ما غفوته من ساعات في ذلك الشارع الجانبي ولم أكن أتوقع أن النوم سيستمر معي في حالتي تلك كأحد الوظائف الحيوية لجسدي ..
وظائف جسدي تعمل بإنتظام كما هي كما لاحظت ..
تباً لهذا الوضع ..
أردت أن أبتعد عن الحياة دون أن أموت فلم أنل الحياة ولم أنل الموت .
دعونا من ذلك النواح الذي لا طائل منه ..
أمامي الآن أن أتواصل مع ذلك الوسيط بأي شكل من الأشكال ولكن تقابلني مشكلة وهي أن عنوان البريد الإلكتروني وكل ما يتعلق بالتواصل معه موجود على جهاز الكمبيوتر الخاص بي .. هذا في حالة ما كان لذلك فائدة من ألأساس .
 لك أن تتخيل أنني لا أجتاز الأبواب المغلقة كالأشباح وإن استطعت فحركاتي مسموعة كأي إنسان عادي ..
ما الحل إذن ؟؟
 بدأت في التحرك والسير بحذر في الشوارع متجنباً أن أصطدم بأحد ما لما سيسببه ذلك من ذعر ..
أسير وكأنني ملوّث أو حامل لعدوى تنتقل باللمس ..
ولكن رغم ذلك فكان الأمر مختلف ومميز ..
أن ترى من لا يرونك ..
تصارعت داخل عقلي العديد من الوساوس التي تتعلق بكوني أصبحت خفي .. من سرقة إلى أفعالٍ مشينة أو إذاء من أذوني من قبل والإنتقام منهم ..
تلك الأفعال التي أمتلأت بعقولنا جميعاً عندما كنا نشاهد فيلم (طاقية الإخفاء) ..
ولكن عقلي كان يسيطر عليه مهمة واحدة .
أشعر أنني مُراقب ..
أم لعله التوتر هو ما يجعلني أشعر بذلك ..
هل يوجد أمثالي أم أنا الوحيد ؟ .. لا أجد وسيلة للتأكد من ذلك .
أصبحت الآن أمام البناية التي أقطن بها ..
توقفت أمام باب البناية متردداً في الصعود .. حينها سمعت صوتٍ قادم من خلفي :
- " لا أنصحك بالقيام بذلك "

**************************************

لا أنكر أنني قد فُزعت كالطفل الذي يختبئ له صديقه خلف الباب ، وتحول فزعي هذا إلى عصبية وأنا أتهجم على صاحب الصوت وأنبش مخالبي في ذراعه بقوة ..
كانت فتاة ..
هذا ما لاحظته حينما وقعت عيني عليها ..
- " من أنتِ ؟؟؟؟ "
- " طالما تراني وأراك فأظن أن الإجابة واضحة .. أنا مثلك .. ولا أظن الإجابة ستختلف إذا ما تركت يدي "
- " هل تظنين أن جملة (أنا مثلك) تكفيني ؟ "
جذبَت ذراعها من بين يدي وقالت :
- " أنا هنا لأساعدك .. "
- " أظن أنني رأيت هذا الفيلم من قبل .. أرجوكِ كوني أكثر واقعية وتوقفي عن أسلوب الإجابات القصيرة لتبدين أكثر غموضاً .. أو أتركيني أفعل ما أرتأيته .."
- " يبدو أنك شخص لا تتمتع بنعمة العقل ولم تسمع من قبل عن (التمهل) .. "
- " يوووووووووووووه .. من أنتِ ؟؟ "
صمتت للحظات ثم قالت :
- " لقد أرسلني الوسيط لتعقبك .. "
- " يا سلام ؟؟ .. بتلك السهولة تعترفين لي بذلك ؟ .. إذا فقد فشلتي بكشفك لمهمتك بتلك الطريقة البلهاء "
- " هذا ما طلبه مني ولكن ليس هذا ما قررت أن أفعله "
- " لماذا ؟ "
- " لديّ أسبابي .. والآن هيا بنا لنغادر هذا المكان وسأخبرك بكل شيء "

*******************************

بدا لي الأمر مبتذلاً كفيلم من أفلام الدرجة الثانية .. ولكن للأسف ليتني كنت مشاهد فقط  لكنت حينها أدرت القناة أو غادرت صالة العرض ..
فأنا مجبر على أن أشاهد هذا الفيلم ..
نحن الآن في أحد الأماكن المقفرة وكأننا نتفق على صفقة مشبوهة ..
سألتها :
- " لماذا أبتعدنا عن منزلي ؟ لن يستمع إلينا أحد كما تعلمين "
- " أنا لم أعد أثق في شيء .. ولو مررت بما مررت أنا به لأصبحت مثلي "
- " دعينا من تلك الأسطوانة المعروفة فلسنا في مسابقة من مر بأحداث أسوأ من الآخر "
أزدادت نبرة صوتي حدة وأنا أقول لها :
- " لماذا أمرك الوسيط أن تتعقبينني ؟ وأين أجده ؟ ومن أنتِ ؟ "
- " أنا واحدة من مئات بل آلاف محتجزين داخل (برزخ التأهيل) .. واحدة من كثيرين لا يعلمون كنه هذا البرزخ ولا كنه هذا التأهيل الذي ننتظره .. فجأة وجدت نفسي داخله أنا وغيري ولا أدري كيف ذهبت إليه ولا عدد السنين التي مرت عليّ بداخله ..
كان لي أسرة يوماً ما لا أدري إن كانت ما تزال موجودة أم فارقوا الحياة وإذا ما كانوا على قيد الحياة فلن أستطيع الذهاب إليهم وهم لن يروني ولن يسمعوا صوتي "
- " لا يهمني ما تقولينه .. أنا لست بإخصائي إجتماعي "
قلتها ببرود لم أعرف سببه ولا أنكر أنني شعرت بالندم لهذا القول ..
ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت :
- " يبدو أنك فقدت اللباقة والإحساس أيضاً إلى عندما فقدت ماديتك "
أحسست بالحرج وقلت لها متأسفاً :
- " أرجو أن تعذريني فالوضع كله جنونيّ ولا أستطيع أن أتأقلم معه حتى الآن "
قالت وكأنها لم تستمع إلى إعتذاري :
- " أنا من القلائل الذين غادروا البرزخ على حد علمي ولكن أظن أنني لست الوحيدة التي كُلفت بمراقبتك ومتابعتك "
- " ولماذا عصيتي الأوامر ؟ "
- " لأنك لا تعلم حجم الأمر الذي ورطت نفسك فيه "
صمتت للحظات ثم قالت :
- " أنت ستكون سبباً في نهاية العالم الذي نعرفه "

**********************************************
 مرة أخرى أشعر أنني بداخل أحد الأفلام التي لا أكره في حياتي مثلها ..
فسيناريو : (أنت ستكون المختار يا فلان وإنقاذ العالم في عنقك يا علان ) تقليدي جداً ولو كنت مكانكم فسأتوقف عن قراءة باقي الرسالة ..
ولكنني مرة أخرى أضطررت إلى أن أكمل دوري في ذلك الفيلم الخيالي الذي لن يُعرض في أي سينما لأنه بطله – ببساطة - لن يراه أحد .

قلت لها في سخرية :
- " وهل تتوقعين مني أن أصدق هذا الهراء الذي تتحدثين عنه ؟ "
- " إذا أردت أن تصدق أو لا تصدق فهذا شأنك "
- " مهلاً مهلاً .. قد لا أكون متديناً ولكني أؤمن بما تم تعلمته دينياً.. ولا أظن أنني المسيخ الدجال الذي ستقوم بعده القيامة "
- " ومن قال أن انتهاء العالم يعني بالضرورة حلول يوم القيامة "
- " لا أظن أن نهاية العالم سيحل بعدها العيد على حسب علمي "
- " أنني أتحدث هنا عن نهاية الحضارات المعاصرة .. ربما فناء أغلب البشر .. قد يكون الأمر تمهيداً ليوم القيامة الذي تم ذكره في الديانات السماوية أو لا .. العلم عند الله .. لكني أخبرك بما لدي من معلومات .. "
- " وكيف وصلت إليك تلك المعلومات ؟ .. لا أظن أن الوسيط أخبرك بذلك .. "
- " لديّ مصادري "
- " وما الذي يجعلني أصدقكِ ؟ "
- " لا أظن أن أمامك خياراً آخر "
- " بل أملك خياراً آخر .. أن أتركك وأكمل ما بدأت فيه .. فأنا لا أثق بك ولا أشعر أنك تنطقين الصدق "
- " وماذا عن احتمال أن أكون صادقة ؟ .. وماذا عن إذا ما تأكدت من مدى صدقي مُتأخراً ؟ "
نَظرتُ إليها مُطولاً ثم قلت :
- " أكرر أنني لا أثق بك .. "
- " بغض النظر أنك على ما يبدو مُصاب بجنون الارتياب ولكني سأساعدك على الوصول إلى الوسيط .. هل هذا يكفي ؟ "
- " لا يكفي .. ولكن لا مفر من هذا "
تنهدت وقالت :
- " إذن فلنكمل ما كنت تشرع في فعله ولكن بحذر أكثر .. "
قلت لها وأنا أبدأ في السير بجوارها :
- " المشكلة تكمن في وجود عائلتي بالمنزل الآن .. "
قالت بكل هدوء :
- " لا تقلق فهم موجودون في (برزخ التأهيل) الآن "
نزل عليّ هذا الخبر كالصاعقة وتجمدت في مكاني .
- " ما بك ؟ ألم تكن تعلم أن هذا ضمن إتفاقك مع الوسيط ؟ "

(يُتبع)
 

محمد العليمي 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق