الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

الحلقة الأولى

بالتأكيد أغلب من قرأ هذا العنوان ظن أنني سألعب على الوتر المعتاد وهو وتر الموت ولكنني سأخبركم بما هو أسوأ منه ..
أن تحيا كميت .
أنا قريباً منكم أكثر مما تتخيلون ..
قد أكون بجواركم الآن وأنتم تقرأون تلك الرسالة وقد أكون قد مررت يوماً بأحدكم ولم يرني ..
لا لست بملك الموت يا من تظن ذلك .. أنا إنسان عادي وقد تتشابه حياتي كثيراً مع حياة الآخرين .. بمعنى أدق كانت تتشابه حتى حدث ما حدث .
دعوني أعرّفكم أكثر عن حياتي ..
أسمي (شريف الميرغني) شاب في الثلاثينات من عمري .. أعزب ولم أتزوج وغير مرتبط ..
يزداد أصدقائي يوماً بعد يوم لدرجة أنني لا أجد صديقاً بجواري منهم ..
 فتيات كثيرات تدخلن حياتي .. يبدأ الأمر كصداقة بعدها أحلام بأن كل واحدةٍ منهن ستعترف لي بحبها عما قريب وأنها بالتأكيد ستكون زوجتي يوماً ما ، ولكن لا يحدث شيئاً مما أتخيله وتستمر الصداقة بيني وبينهن وأحياناً تنتهي حين أملّهن .
علمتني التجارب النسائية المتعددة أنني أستقطب الفتيات متوسطات الجمال فقط أما رائعات الجمال فهن استثناءات في حياتي وحينما تنجذب إحداهن إليّ أعلم حينها أنه من المؤكد أنها بلهاء ..
فأنا لا أملك ما يجذب الفتيات الحسناوات إلىّ وما أجيده ليس بشيء يجعل الفتيات ترتمي تحت أقدامي ..
أنا لا أجيد سوى شيء واحد هو قراءة الكتب ..
للأسف لا أمتلك موهبة الكتابة وإلا لكان موقفي أفضل ولصار لي مستقبل وإن كنت أعلم أن أغلب من يكتبون لا يجنون مالاً وإن جنوه فهو لا يأتي بسرعة ..
طوال حياتي أعشق القراءة وأطلق عليّ أصدقائي القدامى لقب (الموسوعة) .. فتجدني لا أترك مجالاً إلا وقرأت فيه إلا مجالاً واحداً لم أطرقه وحين طرقته لم أستطع الخروج منه ..
عالم ما بعد الموت ..
سيسألني أحدكم ما الذي جذبك إلى القراءة في هذا الموضوع تحديداً .. وهو سؤال غبي سأجيبه رُغماً عني ..
أخبرني عن ما يجعلني أتعلق بالحياة ؟
زوجة ؟ أولاد ؟ أهل ؟ أصدقاء ؟ عمل ؟ مستقبل ؟
وقيد الدين والعقاب الأخروي يمنعني من الانتحار .. لذلك لا أجد سوى أن أذهب للموت على الأقل ذهنياً ..
قد يظن البعض أنني قد قرأت كتباً من نوعية (عذاب القبر) و(الجنة والنار) ولكنني قرأت كتباً أخرى ليست بدينية .. وإن أرت الدقة هي كتب لا دينية .
تعمقت كثيراً في القراءة عن أن تحيا بلا جسد  ..
أن يختفي الجسد تماماً أن تكون نوعاً أخر مختلف عن الروح وعن الأشباح والأطياف ..
ولجتُ إلى مواقع إلكترونية لا تخطر ببال عاقل .. كلها مواقع بالإنجليزية التي أجيدها لحسن الحظ ..
أغلبها كاذبة ومُدعية وقليلاً منها أقترب من الحقيقة ولكني لم أجد بعد ضالتي ..
وجدت منها ما يربط ما أبتغيه بالتقرب من الشيطان ولكني أرغب في التحرر الجسدي لا الكفر .. عذراً فالتعبد إلى الشيطان ليس في جدول أعمالي ..
موقع إلكتروني آخر ..
ممممممممممممممممممممممممممممممممممم
يتحدث عن تحرر الروح من الجسد في حالات الغيبوبة والنفق المضيء .. ولكن أيضاً ليس هذا ما أبحث عنه .
استوقفني ذلك الموقع ..
كان بريء المظهر على عكس المواقع الأخرى التي ترى أن التصميم الصاخب والشيطاني يجب أن يكون السمة الأساسية إن أردت التحدث عن أمور خارقة للطبيعة ..
الموقع به كلام مقتضب عن ما أبحث عنه وفي أسفله بريد إلكتروني ..
أضفت هذا البريد الإلكتروني إلى الماسينجر الخاص بي وأرسلت له رسالة بأنني أود التحدث معه بشأن بعض ما ذكره بالموقع ..
وأنتظرت رده .
مرت الثلاث ساعات ولم يصلني أي رد ، وفي الساعة الرابعة من الإنتظار كانت أول جملة أرسلها :
" هل تبحث عن الحياة كميت حقاً "
أرتبتُ لهذا الأسلوب المباشر في الحديث وبدأ الشك يزحف إلىّ فيما يتعلق بجديته ..
" لا ترتاب فأنا أشعر بمن يريدون هذا الأمر .. وأنت منهم "
شرعت في الرد عليه :
- " وما الذي يؤكد لك أنني منهم ؟ "
- " ليس من شأنك .. أتريد حقاً تجربة الأمر ؟ "
- " أشعر بأن للأمر علاقة ببيع روحي للشيطان وهذا الهراء .. "
- " لا يوجد شيطان سيمنحك ما سأمنحك أياه "
- " من أنت ؟ "
- " لا يهم "
- " وما الثمن ؟ "
- " لا يوجد ثمن "
- " إذا كان الأمر حقيقاً فلماذا لم تجربه بنفسك ؟ "
- " أنا مجرد وسيط "
ترددت كثيراً في استكمال الحديث معه .. وبدأت أراجع نفسي فيما أنتويه ..
شعرت بأن قلبي سقط بداخلي ..
- " هل هناك عودة إذا ما أردت أن أعود "
- " لا "
رفعت يدي من فوق لوحة المفاتيح وتحسست وجهي ..
أشعر بسخونة في وجهي لم أعهدها .. قلبي يدق بشراسة الحبيس داخل تابوت ..
   - " وما المطلوب مني ؟ "
لن أستطيع أن أخبركم بما طلبه مني لتنفيذ الأمر لأنني لا أريد أحد منكم أن يُجرب الأمر .. ولكن سأكتفي بأن ألمّح بأن ما طلبه رهيباً ولا يصدقه عقل وخاصةً أن الشرط الوحيد لإتمام الأمر كان ألا أخبر أحد بما سأفعله وألا أترك ما يُلمح من قريب أو من بعيد بما سأقوم به ..
كان الإتفاق أن يتم الأمر خلال يوم ..
وكان أطول يوم مر بي في عمري ..
القلق ..
الخوف ..
الإحباط ..
السعادة ..
كل المشاعر كانت تركض بداخلي ، ووجدت أن الحل الوحيد لما أعانيه أن أقتل الوقت بالنوم ..
النوم ..
النو ..
الن ..
ال ..
ا ....

تفتّحت عيناي على ضوء شديد ..
ضوء ساطع ولكن لا يوجد مصدر له ..
أين أنا ؟؟؟
أرى أشخاص حولي تركض .. حاولت أن أوقف أحدهم ولكن لا فائدة ..
وجدت رجلاً في عمر أبي جالساً فتوجهت إليه ..
نظر لي وقال :
- " أنت الجديد ؟ "
لم أفهم ما يقصده .. سألته :
- " أين أنا "
- " أنت في ما نطلق عليه نحن برزخ التأهيل "
- " وما هو برزخ التأهيل هذا ؟ "
-  " هل أتيت عن طريق الوسيط ؟ "
لم أجبه .. فأكمل وكأنه توقع أنني لن أجيب سؤاله :
- " تبدو كواحد منهم .. لذلك لا تقلق فستخرج قريباً .. بعكس أغلبنا "
-  وما الذي يجعلني أغادر وأنتم لا تقدرون  ؟ "
 صمتَ لحظة ثم قال :
 -  " يبدو أنك مثقف .. أو لنقل أنك كنت مثقف إذا ما صح التعبير ..
نحن من يطلق علينا (لم يتم العثور على جثته) .. نحن من أختفينا دونا أدنى أثر .. ولم نعلم حتى الآن سبب اختفاءنا وها نحن نحيا هنا وننتظر الخروج فور انتهاء تأهيلنا .. أما أنت فالأمر يختلف معك .. فقد أحضرك الوسيط لتنفيذ مهامه .. "
نظر خلفي وقال :
  - " ألم أقل لك أنك ستغادر سريعاً "
وفجأة سطع الضوء الشديد مرة أخرى وما إن خَفَتَ حتى وجدت نفسي في بيتي مرة أخرى ..
اللعنة ..
يبدو أنه كان مجرد حلم لعين ..
قذفت تلك المرآة - التي طالما كرهت النظر إليها لأنني كنت أرى وجهي الذي لا يتسم بالوسامة كما تمنيته – بذلك المنبه الذي كان بجوار فراشي ..
ولاحظت شيئاً ..
أنا لا أرى انعكاسي بها ..
نهضت وتحسست جسدي ..
أنا موجود بالفعل ..
ركضت إلى غرفة أخي .. ووجدت باب غرفته مفتوح فدلفت إلي الغرفة وناديته .. فلم يسمعني ..
اللعنة لم يكن هذا ما طلبته ..
ما الفائدة من أكون موجود بشكل غير مادي ولكن أظل باقياً في تلك الحياة ؟؟
لقد خُدعت ..
ركضت إلى الشارع ولم ألتفت إلى أنني غير مرئي ولكني مازلت مادي ..
صدمتني سيارة مسرعة ..
لكم أن تتخيلوا شعور السائق الآن .. صدم شيئاً لم يراه ..
بدا للناس مجنوناً وهو يغادر سيارته لينظر في الأرض ولا يجد شيئاً .. بينما نهضت أنا بصعوبة والعجيب أنني لم أعاني من أية إصابات بل أن الاصطدام لم يؤلمني بتاتاً ..
ظللت أردد .. (لم يكن هذا هو ما أردته .. لم يكن هذا هو ما أردته )
بداخلي أشعر بمن وجد نفسه في وطن غير وطنه وإن كانت تفاصيله كما هي ..
هدأت للحظات وظللت أحدد تفاصيل وضعي الجديد ..
صوتي لا يسمعه أحد ..
أحتفظ بكل خصائصي المادية كما هي ولكن لا أحد يراني ..
أكثر ما يدل على أنني - برغم النقطة السابقة – لست حي أنني لم أشعر بأي ألم عندما صدمتني السيارة ..
إذن فأنا في مصيبة ..
أصبحتُ كيان مادي غير مرئي وغير حي في نفس الوقت ..
ما هذا الذي تورطت فيه ؟
لكن لابد أن يكون هناك تفسير لما حدث لي ..
على أن أتواصل مع الوسيط في أسرع وقت ..
بل يجب أن أتواصل مع الآن ..

(يُتبع)

محمد العليمي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق